فصل: الفصل الثالث: في الأمكنة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف



.الفصل الثالث: في الأمكنة:

في مدينة مسورة: وهي مدينة تصرف عنها العين، وتصرف فيها العين؛ وقد أضحت غرة في وجه الدهماء، وأمست في الأرض أخت البلدة التي في السماء؛ قد شد بالسور على خصرها النطاق، ونجم بها طالع الأنجم النفاق؛ ذات أزقة وسيعة، وأدور فيها لمنازل الأقمار وديعة، قد فصلت منطقتها بالبروج، وفضلت على كل بلد حظ ساكنها منها الخروج.
في آثار دمنة: فأصبحت لا ترى إلا آثار مساكنها، ولا تروي إلا أخبار ساكنها؛ قد غدت أطلالا تجر عليها الرياح أذيالها، وتسرح فيها النعام رئالها؛ كأنها لم تكن ملعبا للحبائب، ولا مرأى للربائب؛ قد تجدلت تلك الجدران، وأوقدت بالجوانح ما أطفئ منها من النيران؛ وانتضى عليها البرق سيفه فخر ذلك البناء المشمخر، وضرخ في جنباتها جواد الرعد المسبطر؛ وفرطذلك العقد المنضد، وفصل ذلك العقد المعضد؛ فشكها في خيطه الغمام، وحل فيها عقد صبره الإلمام؛ فهدت تلك الأركان، وهدمت ما كأن شيئا منها كان؛ فأصبحت تسقى بماء العبرات، وتروى بأجاج لا يرويها العذب الفرات.
في قلعة شاهقة: وهي أي قلعة يقص دونها قوادم النسر، وتعرف بضمها إلى النجوم أن جميع القلاع غيرها مبني على الكسر؛ قد ذلت الرياح عن طرقها، ونزلت الكواكب دون أفقها؛ ومتت إليها البروق بأسباب لم تقطع، وفصل عليها ثوب السحاب لكنه مذ وقع دونها ما توقع؛ قد استعلت على قنة جبل ازداد بها رفعة منار، وأصبح بها- وهو صخر- علما في رأسه نار.
في حصن شاهق محصن: ودونه جبال رفيعة، وأودية منيعة؛ وقد بني على قنة يقع دونها النسر الطائر، ويقنع بدون طيفها الخيال الزائر؛ قد آلت السحب إلا تفرجت عنه فروجها، والشهب إلا ميزت منه بروجها؛ قد أذكى البرق فيه شعله، وغلقت عليه السماء أبوابها المقفلة؛ وأنكرت الشمس فيه الأيام، وخفيت دونه الأهلة فما رئيت إلا في التمام؛ وتمنطقت أسواره بالمجانيق التي حالت العهود، وحلت العقود؛ وهدرت في كل ناحية فنيقها، ونزلت في كل جهة فريقها؛ ورداء أسواره من المقاتلة أسوار، ومن أهل النوب من جرت معهم أطوار؛ وما عملت في صخوره المعاول، ولا دبت نقوبها في المفاصل، ولا نفذت منه المادة ولا انقطع عنه الواصل.
في منازل بلد: وأحدق بذلك البلد، وقطع من نسله كل ما ولد، وحسمت عنه مواد الحلب حتى قل منه الجلد؛ وضربت حولها الخيام، وكثر عليها القتام؛ ودارت بها العساكر فكانت وشاحا، وأحدقت بها إحداق الأجفان بالعين إلا أنها كانت وقاحا؛ وصبرت على قطع المدد وقطع المدد حتى كادت تلقي بأيديها إلى السلم، وتسقط من الضعف لعدم القوت لا لوجود السقم؛ ثم إن طائفة منهم سلمت بالأمان، وسلمت بالإيمان؛ وطائفة أصرت على الامتناع حتى أخذت قبضا، ووفى السيف منهم فرضا؛ ولو أسلموا سلموا، وهكذا يأخذ الله الذين ظلموا؛ وشب الفريقان، وشب الحريقان؛ فلما التقى الجمعان، وأن الصدعان؛ أتوا وقد غليت مراجل صدورهم، وغلبت سحب المغافر على كوامل بدورهم؛ وألد كل ذي حنق، وجن كل ذي شطن يقطع الحلق؛ وظلل القتام، وطبع الموت فيه على الرقاب بخاتمه طابعا ما يفكه الختام؛ إلا أن العاقبة كانت للمتقين، وكتب لهم النصر- ولله الحمد- قد تحقق عن يقين.
في المسجد والمحراب: وأتى من المسجد بيت العبادة، ودار السعادة؛ وجهه إلى بيت الله الحرام، وميقات الصلاة والإحرام؛ واستقبل المحراب فكان لصدفته درا، وبين أحناء ضلوعه سرا؛ ثم قام وقنت، وأطال متنفلا لم يخشى العنت.
في المنبر: واخضر به عود المنبر، ونظر به إلى من بر؛ وضمخ طيبا، إذ منه ضم خطيبا؛ وأضاء في حلل السواد حتى كان يشرق، واهتز بالندى حتى كاد يورق؛ وأطرب إذ ضرب منه عود تشجي نغماته الفصيحة، ونفح عود يشب بنار تلك القريحة.
في المئذنة: وقد رفعت منها سبابة تتشهد، ومنارة تشهد فيها النجوم لمن يتشهد؛ تسبح فيها بالغدو والآصال رجال، ويعرف بها الأوقات والآجال؛ تذكر القانت في محرابه، وتنبه النائم لما هو أحرى به.
في حي حلول: وشاقه تذكر اللقا، وساقه إلى حي على أيمن النقا؛ فأشرف منه على بيوت قد أشرعت إلى الرياح، وشرعت حولها الرماح؛ وأكنت لياليها السود أقمارا، وأطلعت أيامها الشموس نهارا؛ ورتعت في جنباتها الجآذر، وصرف عنها صرف الزمان ما يحاذر؛ وانبثت إماؤها في تهيئة الأهب، والاستعداد لليل وصدر النهار ما ذهب؛ وقد حصلت لقرى الضيفان الجفان، وفتكت بذوي الصبابة قبل قواتل السيوف الأجفان؛ وقد أطلت فتية الحي تشد بهم تلك السلاهب، ويتدارك بهم بقية الليل الذاهب؛ وقد قال ولدان الحي: تعالوا- إلى أن يأتي الصيد- نحطب، ورقبوا الطارق وما نخاله إلا عنقاء مغرب؛ فإذا هم به وقد حط رحله والشمس قد انحطت للغروب، والفتية قد نزلوا من الركوب؛ فبات يعلل على نارهم، ويأخذ في التأهب للرحيل ووده لا يخرج من ديارهم؛ ثم لم يجد بدا من الانصراف، حين ألقى الليل عنه الطراف؛ هذا وخطيب الدجى لم يتمزق أهبه، ولم يشرق دواء الصباح ذهبه.
في مرج أخضر: ونزل بمرج كأنما فرش بإستبرق، وطلع الصباح في ليله المتراكم فأشرق؛ قد اتسع للرائد فيه مدى طرفه، وامتد إلى غايته أمد طرفه؛ واخضر كأنما خلع عليه العذار، وحسن كأنما قبلت به الأعذار؛ وقد نسجت ديباجته الأنواء، وقرطت زمرده الأنداء؛ كأنما عبثت بنسيمه فارات المسك فرضها، أو عرضت عليه فضة الفضاء في تلك الجوانب ففضها؛ وقد طرفه بزهر الربيع أوانه، وضلل عليه قوس السماء فنفضت عليه ألوانه، فما حل في أكنافه إلا من اذكره خضرة العيش، وثبته ومع هذا وثب به الطيش.
في روضة غناء: هذا وهو إلى جانب روضة تولت خيوط الأنواء نسج غلائلها، ورقم خمايلها؛ وتعليق سيوف الجداول من جنباتها المخضرة في خمائلها؛ وقد وشعت مرطها، وحلت إلى الأنداء قرطها؛ ونفضت عليها البكر والأصائل أصباغها، وأطالت عليها ظلال الصباح والعشي إسباغها؛ فجاءت ببدائع الألوان، وأقبلت باكورة تعد من بداية الأوان؟
في شجر بادية: وثم شجر له دواء وما له ثمر، وسمر لا يجتنى منها إلا طرائف السمر؛ وقد جعلت تلك المهامه أدواحا، وكانت لجسوم تلك القفار أرواحا؛ فلم يبق إلا من توقى بها حر الهجير، وتعلق بذمة ظلالها من نار الرمضاء يستجير؛ فأطالت ذماء كل روح، وطابت مقيلا أنست لمفارق الخيام بذي طلوح.
في بر مقفر: واستقبل برا لا تسلك فيه القطا، ولا يستعجل فيه البطا، وقد بعد ما بين جنبيه، وعلقت دون أقصاه المطي فلا تنتهي إليه؛ لو سلكه النجم لضل، أو اقتحمه الريح المتشامخ لذل؛ أو سقته السيارة لما اهتدت إلى الماء ببيت امرئ القيس، أو دليل خالد لما نسب في أمره إلى الكيس؛ لا تعرف فيه اليعافير كيف تتجه، ولا العصافير في أي قطر هي لأمره المشتبه؛ يفني في أقل مداه الزاد والظهر، ويفنى الجديدان: اليوم والليلة، ويقصر المديدان: المقام والشهر.
في مفازة: وقطع مفازة لا يقطعها كل حديد، ولا تذرعها أيدي المطي مثل كل البيد؛ يلوك فيها العارف الحصا خوفا من جفاف فمه، ونشاق ماء حياته ودمه؛ لا يفيد في سلوكها النادم العض على الأصابع، ولا يدري القادم عليها ما الله به صانع؛ لا ينهل فيها الماء المحمول إلا نهلة الطائر، ولا يعلم فيها المنقطع للبس نعله أين يقدم السائر؛ لا يدرك فيها مأمول، ولا يقتل العيس إلا الظلماء والماء فوق ظهورها محمول.
في رمل: ودخل في تلك الرمال فنسفها نسفا، وأوطأها حافرا وخفا؛ ولم يرعه شوامخ تلك الكثبان، ولا لوافح نار الهجير في وجوه الركبان؛ والرمل قد طار شرره، وظهر أثره؛ وسالت في تلك الشعاب أوديته، ولفت في معارف تلك الطرق أرديته؛ وعقدت منه كل عقدة لا تحلها الأنامل، ونسجت من رماله كل شقة لا تفتل خيوطها الأنامل؛ وقد امتنع جانبه فلا يقدر وارد مائه على نهل، ولا يزال يحدث منه عن أبي ذر ويسلكه أبو جهل.
في كثيب: وكم عاجت المطايا على كثيب، وكم عادت على أيمنه وذكرت حاجة كئيب؛ ماجت في الأرض تلك الروادف، ومالت فأمسكتها من الرواجف؛ ونهدت في أعالي بطون تلك الأودية كأنها نهود، ونظمت كاللآليء في أجياد تلك السفوح كأنها عقود؛ وعلت كأنها لتلك المذللة أسنمة، وظلت عن تلك القلل كأنها مسلمة؛ قد امتدت للزلزال أسبابا دون الأوتاد، وعدت من صغار الجبال فكانت لها كالأولاد؛ ودارت نطاقا بذلك الفضاء كأنها مخيمة، وتقاصرت عن مدى الجبال كأنها بغير الثريا مختمة.
في جبل شاهق: وكم دونه من جبل لا يبلغ الطرف أدناه، ولا يقطع النسر المحلق منه إلا دون مناه؛ لا تظن الشمس عليه إلا إكليلا، ولا يرى البدر المعلق في ذاره إلا قنديلا؛ تقع دونه الرياح ظلعا، وتزور النجوم حتى تغدو عيونها حولا ولا تستطيع إليه تطلعا.
في واد عميق: ونزل قرارة واد لا ترى فيه الشمس إلا عند زوالها، والأقمار إلا بعد تمام هلالها؛ لو تهدر إلا مهواته الريح لخر صاعقا، أو الرعد لشق ثوب السحاب ونزل زاعقا.

.الفصل الرابع: في المياه ولوازمها:

في البحر: والبحر سماء يمشي في مناكبها، ويمتطي كواهل كواكبها؛ أفلاكها الدائرة، فلكها السائرة؛ وملائكتها المسبحة بأسمائها، حيتانها السابحة في مائها؛ تنشأ منه السحائب، ويخرج الدر منه بين الصلب والترائب؛ تجري فيه السفن في موج كالجبال آياته لا تحتجب، وكله عجب حتى ليس فيه عجب.
في تنكر البحر: وتنكر البحر بعد أصحابه، ونكر معروفه لأصحابه؛ وأقبل عليهم بوجه مكفهر قد قطبه، وخرق في جنب السفينة قد قطبه؛ والريح قد شرد باللجج شردها، والأمواج قد أحكم في التقدير سردها؛ وقد تزاحمت الأفواج، وتلاحمت الأمواج، وتلاطمت الحيتان بعضها ببعض، وقد كشفت الريح البحر حتى كادت تبين قرارة الأرض؛ والخوف متوقع، والموت منتظر ولكن أين حدث في البلقع.
في إصحاب البحر: وقد أصحب البحر بعد امتناع جانبه، وتلوي مجانبه، وتلوي مجانبه؛ وأصحب وكف؛ وغدت السفن كأنها سرر مرفوعة، والقلاع منشورة كأنما السماء بها مرقوعة؛ وقد لان من الرياح ما اخشوشن، وبان البحر لتكسر موجه كأنه لابس جوشن؛ وصفت سريرة مائه وكانت قد تكدرت تكدر الخب، وتسهلت عريكة ريحه، وكانت قد تعسرت عسر الحب. وهو الآن طيع العنان، حسن العيان، كيفما أخذت به أصحب، وانقاد بعدما كان قد استصعب.
في نهر جار: فطنب بجانب نهر يتلوى أرقمه، ويمر النسيم على ديباجه الساذج فيرقمه؛ يروع حصاه حالية العذارى؛ ويظهر صفاء باطنه لظاهره اعتذارا؛ كأنما ذاب فرند في مائه، أو تفرى ليل عن سمائه؛ فجاء بدمع العين، وغسل حتى صدأ البين.
في غدر: وفي تلك الفيح غدران كأنها عشور في مصاحف، ووجوه حسان في بيض ملاحف؛ كل غدير منها كأنه درهم، وكل أتي كأنه يجمع أرقم؛ قد امتدت في ذلك الفضاء، وسالت في إنائها المصوغ من الذهب الأحمر بالفضة البيضاء؛ وقد صقلت عليها الرياح سوالفها، وتذكرت حولها فتية الحي مآلفها؛ وأرخت عليها الرياض خضر برودها، وحامت النفوس الظماء منها على ورودها.
في منهل مورود: ووردنا منه نطفة زرقاء تروي الصدي، وتروي بأقرب سند حديث السحاب من طريق الندي؛ يرشف من حبابها مثل الثغور، ومن رضابها ما تقل به الخمور؛ قد نشرت منه شققا بيضاء وقصرتها الشمس، وحمتها مسافتها البعيدة من اللمس؛ تحدرت من غر طوال الذوائب، ونزلت على صفاء الأرض من صفو السحائب؛ وتولت الريح نفي قذاتها، ونفع شاربيها بدفع أذاتها؛ فكانت مثل صفاء الدمعة، ورقة الشمعة، وثياب أهل الإيمان البيض يوم الجمعة.
في ماء آجن: ولم تجد الإبل على تحرق أكبادها، وتخرق أكتادها، وامتداد لياليها وأيامها بأوامها، وذهاب مددها، بعطش كبدها، إلا ماء سار من حمأة كدر، وعلا رأسه المشيب مما بلغ من كبر؛ كأنما صب الزيت على مائه، أو غشي صباح غديره بظلمائه؛ وقد أصبح كأنه نقيع حناء، وبقية ما عل أرقمه من زمان حواء؛ لا تقربه الدواب ولا كثير من الناس، ولا تهون المصيبة به إلا إذا وجد بعد الإياس.
في السفن: وأطار من السفن كل خفيفة الجناح، خفية الجماح؛ تمد من القلوع أجنحة، وتعد من المجاذيف أسلحة؛ تجل أن تقاس بدهم الخيل، أو تشبه نجب قلوعها المنشرة بنهار أو ليل؛ قد اتخذت سماء البحر ميدانا، وحطت على موجة البحر غربانا؛ وشالت انفها تتنسم الأرواح، ومدت كفها وكتب على الماء ما خطت في الألواح؛ فكأن كل واحدة منها على البحر ثوب فيه قصر، وكأن الماء عين محدقة وهو فيها سواد البصر.
في السمك: وثم من عجائب المخلوقات ما يتجاوز طور العقل، ويتجوز فيه أهل النقل؛ ومنها نوع السمك الذي تنوعت مخلوقاته، واجتمعت في البحر متفرقاته؛ وحسن في ذلك المهرق منه تعريف كل نون، واجتلاء كل حسناء كأنها بيض مكنون؛ وتنوع ما يخرج من البحر من ذلك اللحم الطري، وطلوع كل حوت ما يعوزه إلا المشتري؛ وبيان كل بنية كأنما يقشر منها سبيكة فضة، أو تخرج منها جمارة غضة على انبعاثها في صفحة الماء، وانبثاثها كالنجوم في السماء، وتلببها بأمثال الجواشن، وإطلالها في مثل الخود من تلك الرواشن؛ وتلك الظهور الجؤجؤية، والقمص الؤلؤية؛ والبطون التي كأن لمسها من حرير، والأذناب التي لو سحبت في خطة الأخطل لجرى وراءها جرير.